+
----
-
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآل محمد
أعجبني مقال لغابريل لو بلانك من مجلة أوبرا كثيرا لكونه يركز على استراتيجيات بسيطة يفعلها السعداء من دون قصد، بيد انها تميزهم عن التعساء.
1ــ يجدون منجم الذهب الذي بداخلهم
تخيل صورة للسعادة، ماذا ترى؟ صورة انسان راض جالس في وسط مرج من الأزهار، أو قد يكون البحر هو عشقك فتتخيل نفسك وأنت مبتسم في يخت. ولكن اعلم بأن ما نتخيله من صورة هادئة ومريحة تعبر عن الرضا العام ولكنها ليست مصدر الفرح والمتعة. حيث اثبت العلماء بأن عملية دأب الانسان للوصول للامتياز اعتمادا على مؤهلاته ومواهبه هي الأهم والأكثر توفيرا للشعور بالرضا والمتعة. وكما أشار أرسطو، فان تحقيق هدفنا في الحياة هو الهدف الأنبل، فقد بينت الأسطورة الاغريقية ان كل طفل يولد ولديه مؤهلات معينة لعمل شيئا ما في الحياة يكون ذلك الهدف من وجوده. وعليه فلابد من أن يبحث كل منا بداخله ليعلم ما هو دوره،
وذلك من خلال خوض تحديات جديدة والقيام بما هو مطلوب منه بجدارة. وبمعنى آخر، وجد بأن السعداء هم من فئة المجتهدين والمتفانين في العمل ومن يحققون أفضل النتائج في أي منصب يشغلونه حتى لو كان منصب عامل بسيط. فذلك يوفر لهم شعورا بالأهمية والرضا واشباعا للنفس أكثر مقارنة بالشعور بالراحة من الوجود في مكان مريح وسط الأزهار.
وقد بين الدكتور ريتشارد ديفيدسون من جامعة ميسكونسون ــ ماديسون: «ان مشاعر السعادة المرافقة للنجاح في تحقيق الذات والعمل المجتهد تسبب شعورا بالسعادة يفوق ما يرافق المتعة من الوجود في مكان مريح وجميل، بل انه يسبب نشاط منطقة اكبر من الدماغ أيضا».
فالمشاعر الايجابية التي توجه مباشرة لتحقيق هدف في الحياة والعمل هي أهم عامل في شعورنا بالصحة والسعادة. وبحسب دراسة قامت بها الدكتورة كارول ريف، بروفيسور الطب النفسي، تبين بأن النساء اللاتي لديهن درجات مرتفعة في الفحوصات النفسية هن من يعشن حياة تهدف لتحقيق الذات والوصول لأفضل النتائج فيما يقمن به. كما لوحظ بأنهن يتمتعن بالمتعة:معدل ساعات نوم أفضل وانخفاض في هرمونات توتر وعلامات مرض القلب.
2ــ يصممون حياتهم لتجلب لهم المتعة
بالرغم من كون الحصول على السعادة أمر واضح، لكن الحقيقة هي أن كثيرا منا لا يفكر جديا حول كمية المتعة التي تتضمنها حياتنا. وبحسب ديفيد سكاد البروفيسور في الطب النفسي من جامعة كاليفورنيا سان دييغو، فقد بينت دراسته التي خضعت لها 900 عاملة ممن تطوعن لكتابة تقرير عن ما قمن به في يومهم السابق ومن ثم تقييم كل نشاط بحسب درجة استمتاعهم به، فقد تفاجأن بقلة استمتاعهم بمعظم ما يقومون به.
وتابع الدكتور ديفيد قائلا: «غمرت الدموع عيون بعض النساء عندما بدأن في تقييم نشاطات أيامهن لامتلائها بأنشطة لا يحبونها. حيث لم يدركن بأن السعادة هي أمر يمكنهن التحكم به والتخطيط له». لذا، قم بتحليل نشاطاتك، فقد يكون المنصب الذي تشغله في الحقيقة غير كاف أو مثير لك، وقد تكون العلاقة التي أنت بها قد باتت تزعجك وتوترك. ولحسن الحظ، لا يجب ان يكون التغيير كبيرا ليشعرك بالتحسن، فقد وجد بأن تحويل ساعة في يومك من نشاط لا تحب القيام به (الاتصالات، تنظيف البيت، توصيل الأولاد) الى عمل تحبه (كالقراءة أو الكتابة أو قضاء وقت مع الأصدقاء) يسبب تحسنا ملحوظا في معدل الشعور بالسعادة العام.
والمبادرة بالتغيير هنا هي المفتاح. فقد أظهرت دراسة من جامعة ميسوري مقارنة بين طلاب جامعيين بادروا بعمل تغيير (كالانضمام لنادي، تحسين عادات دراستهم، الخروج برفقة الأصدقاء دوريا) مقارنة بمن حدث لهم تغيير ايجابي في وضعهم (الحصول على بعثة دراسية، التخلص من زميل سكن سيىء). ليكتشف تساوي معدل السعادة القصيرة المدى، بيد أن من قاموا بالمبادرة بعمل تغيير في حياتهم استمرت سعادتهم لمدى طويل.
3ــ تفادوا تخيلات (لو.. فقط)
تعود البعض على تكرار أفكار «لو»: مثل حياتي ستكون كاملة «لو» كنت امتلك وجها أجمل، لو كنت اشغل منصب أفضل، لو حصلت على زوج وغيرها من آمال. بيد ان السعداء لا يضيعون وقتهم أو تفكيرهم في هذا الأمور، بل يستمتعون بلحظاتهم وبما معهم. وان كنت تربط ما بين أمر ما وتحقيق سعادتك، فأنت توهم نفسك. حيث كشفت دراسات علم النفس بان معظم البشر لا يعرفون بالضبط ما تسبب لهم السعادة فعلا. فمعظمنا يخطئ الحكم على قيمة عامل معين في حياتنا، وقد نتوهم انه سبب سعادتنا فيما يكون العكس صحيحا.
وكدليل، تم خلال دراسة سؤال المتطوعين (هل أنت سعيد من حياتك بصفة عامة؟» و«كم عدد علاقاتك مع الجنس الآخر؟» وعندما تم وضع سؤال العلاقات قبل سؤال الحياة، فان اجاباتهم عن سعادتهم في الحياة ارتبطت بشكل قوي مع عدد علاقاتهم مقارنة باجابتهم عندما تم عكس الوضع. بيد ان قيمت السعادة لا تأتي من عدد العلاقات ولكن من نوعيتها، كما انها ليست المصدر الوحيد للسعادة.
والجدل الآخر ضد استخدام «لو» ستند الى خاصية دماغيه تسبب تقليل تأثير عامل ما مع مرور الوقت عليه. وهو الذي له دور في تخفيض الفرحة بالبيت الذي سعينا لشرائه، وبالترقية التي وصلنا لها، وبالزوج الذي نحبه. فالأشخاص السعداء يدركون ذلك، فنجدهم يستمتعون بما معهم ويجدون فيه شيء جميل ومثير حتى لو كان تجربة نشاط جديد كالرقص أو اليوغا أو الذهاب الى مطعم جديد. وهو سبب شعورهم بالرضا بماعندهم في حياتهم، لأنهم يعلمون ان الحصول على الأمور التي ليست لديهم، سيرافقه سعادة لحظية ولكنها سرعان ما تذبل أيضا. لذا لم ينسوا سعادتهم بما عندهم.
4- الأصدقاء المهمون أولا
ليس من المستغرب ان يكون لحجم العلاقات الاجتماعية ومحيط الدائرة الاجتماعية علاقة مباشرة لمدى سعادة الفرد، ولكن المثير هو أن نوعية العلاقات هي العامل الأهم. فقد كشفت دراسة للدكتور مليكسا دمير من قسم الطب النفسي في جامعة نورث اريزنا، أن قضاء وقت مع زملاء العمل أو التحدث مع الأهل حول أمور حياتية، لا يقارن بمقدار الاستمتاع الذي نشعر به عند قضاء وقت طويل مع صديق مقرب. بل إن هذا الاستمتاع لا يشترط الحديث العميق أو المفصل، فقد وجد ان التواجد مع الأصدقاء المقربين فقط كالذهاب للسوق أو تناول قهوة أو مشاهدة فيلم في السينما يرفع الشعور بالفرح والاستمتاع.
5-السماح للشعور بالسعادة
بالرغم من سخافة هذه المقولة فإن البعض (إن لم يكن الكثير منا) يؤمنون في أعماق أنفسهم بأن الشعور بالسعادة أو «فرط السعادة» يعتبر أمرا خطأ بل ومن سوء الحظ، سواء كان مصدر ذلك من عادات الاجتماعية أو من معتقد روحاني. وهو ما يشعر البعض منا بالذنب إن أحسوا بالسعادة أو المتعة.
وأوضح هاورلد كتلير الكاتب المساعد مع دالي لاما في كتابه «فن السعادة وسط مشاكل العالم: «يعتقد البعض بأنهم لا يجب ان يبحثوا عن السعادة الشخصية إلا بعد توفير الفرحة والرعاية لكل شخص في العالم. فيما يجب علينا في الواقع أن نبحث عن تحقيق الأمرين معا». والدليل على ذلك بينته نتائج دراسة دلت على أن السعداء أكثر قابلية لمساعدة والعطاء وإسعاد الآخرين، كما يكونون أفضل أزواجا وأولياء أمور. ومن منطلق فاقد الشيء لا يعطيه، يجب على الشخص الا يشعر بالذنب، بل يحصل على ما يتمناه ويقدر عليه من المتعة والفرح، حيث إن مقدارا قليلا من ذلك سيجعله أكثر إنتاجية وفعالية في المجتمع.
6- العلاقة الزوجية وصحة القلب
للعلاقة الجنسية بين الزوجين فوائد مباشرة وايجابية على الصحة، وبخاصة صحة القلب والشرايين، بل إني اطلعت على دراسة بينت ان استمرارها لما بعد عمر الخمسين يسبب إطالة العمر أيضا. وقد يعزى الأمر جزئيا لما كشفته نتائج الأبحاث من كون العلاقة الجنسية الجيدة تسبب انخفاض ضغط الدم وتحسن صحة الأوعية الدموية، واتزانا في هرمونات الجسم. بينما تزيد العلاقة غير الناجحة من مستوى هرمونات التوتر «وبخاصة هرمون الأدرينالين» الذي يؤثر سلبا على صحة القلب وقد يؤدي في النهاية إلى تليفه.
بل وقد وجدت نتائج بحث بأن جدار القلب يكون أقل سمكا عند الأزواج الذين يتمتعون بحياة مستقرة وسعيدة، مقارنة بالأزواج الذين يعيشون في نكد وتوتر دائمين. وهو ما أدى بدوره إلى ملاحظة ارتفاع نسبة الإصابة بتضخم القلب عند الأزواج المقلين بالتواصل الجسدي وكثيري العراك، حيث كبر حجم البطين الأيسر للقلب حوالي %6 بعد ثلاث سنوات من الزواج. وعليه نصح علماء النفس والاجتماع الأزواج بأن يكثروا من التواصل الحميم ويتبعوا طريقة الهروب أو الهدنة أثناء حالة الغضب الشديد من الخلافات الزوجية.
أسألكم الدعاء